شموع مضيئة

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي يتآخى المسيحيون والمسلمون في سورية على هوية حضارية واحدة، هي حضارة الكرامة الإنسانية وحريتها المهمومة بسلام العالم وأمنه، بالرغم من تلك القرون المديدة التي تأججت فيها حروب التطرّف الديني والعنف المقدّس في أكثر من منطقة في العالم من خلال استغلال الدين ضد الدين والإنسان. وفي سورية نلتقي كل يوم مسلمين ومسيحيين، نلتقي في عشق الوطن والدفاع عنه من عدوان المغتصبين والطامعين… في تذكارات وطنيةٍ مترادفة، لننشد للأرض انتماءنا ووفاءنا، وللإنسان احترامنا وحبنا. نلتقي كل ساعة، في تجسد إيماننا أفعال رحمة وزكاة وعطاء… نلتقي لنسعى متنافسين لإطعام الجياع وسقي العطاش وإيواء المهجرين والنازحين… نلتقي بالإيمان باللّه الواحد، مترجمين هذا محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي كما تلقيناه على أرضنا التي انتدبتها السماء لتكون أرض المحبة… محبة اللّه للبشر، ومحبة البشر بعضهم لبعض، كما أوصتنا السماء. وفي عيد الفصح المجيد عيد قيامة السيد المسيح، نلتقي سيادة المتربوليت “إيسيدور بطيخة” متربوليت “يبرود وحمص وحماة” وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك، لنتجاذب معه أطراف الحديث ونغني معرفتنا من خلال إجابات قدسية تعرف معنى انتصار الفرح ومعنى قهر الموت بالحياة والقيامة.. * سيادة المتروبوليت “إيسيدور بطيخة” كيف ترون دور الكنيسة والمسجد في بناء الوحدة الوطنية؟ * لهما دور كبير، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني مهم جداً، وأملنا أن لا يكون التجديد فقط في المساجد والكنائس، وإنما في المعاهد والمدارس الدينية حيث يتدرب الكهنة والمشايخ ليتحضروا لهذا الخطاب. ‏‏وعندما أتحدث عن تجديد الخطاب الديني، لا أتكلم عن شيء فاسد نريد إصلاحه، فالمقصود أن يواكب الخطاب الديني أحداث العالم والمستجدات فيه، وأن ينظروا كيف يمكن أن يستفيدوا من وسائل الإعلام ليقولوا الحقيقة ويظهروها، وكم من حقيقة في سورية نتمنى أن تظهر للملأ. * سيادة المتروبوليت سبق وذكرتم أنكم تنتمون إلى حضارة عربية إسلامية هل يمكن أن تشرحوا لنا معنى كلامكم هذا؟ ** نعم نحن ننتمي إلى حضارة عربية، فنحن عرب مسيحيون تكلمنا دائماً بالعربية ولسنا قادمين من مكان ما في العالم، بل نحن من جذور هذه الأرض والبلاد العربية هي أوطاننا.‏‏ وأقولها بصراحة نحن نشعر أننا غرباء في كل الأرض ماعدا هذه الأرض، هذا وطننا وهذه أرضنا  والعروبة هي جزء من معتقداتنا ومن تاريخنا.‏‏ أما الحضارة الإسلامية العربية، فإن الحضارة الإسلامية قد تفاعلت ككل الحضارات مع واقع تاريخي موجود قبل الإسلام في سورية، كما تفاعل اليونان مع السريان من قبل، وفيما بعد تفاعل العرب في أرض سورية ليظهروا الثقافة والحضارة الإسلامية العربية مجدداً .‏‏ نحن نعلم أن كل من جاء إلى سورية قبلاً أتاها محتلاً، ووضع بصمات مختلفة في حضارتنا، وكل هذه الامتزاجات والبصمات الموجودة انصهرت في حضارة تسمى الحضارة العربية الإسلامية، و فيها جزء من التاريخ السرياني، إذن الثقافة السريانية ساهمت في بناء الحضارة العربية الإسلامية وكذلك اليونانية قبلها، ونحن نعلم أنه في القرن العاشر تمت ترجمات من السريانية واليونانية إلى اللغة العربية، وسمي العصر الذهبي للعلوم العربية، وبدورها أفادت الغرب ونقلت العلوم إليهم، ‏‏إذاً لنا دور كبير في الحضارة التي تدعى اليوم عربية إسلامية، ومن حقنا أن نفتخر ليس بدورنا فقط بل بهذه الحضارة.‏‏ * كيف ترون سيادتكم مسيرة التعايش المسيحي- الإسلامي في سورية على مرّ التاريخ؟ ** سورية أرض الحضارة والتاريخ، سورية التي احتضنت كل الأديان، والمذاهب، والثقافات، والأعراق، والتقاليد، كل هذا التنوع انصهر في النسيج الواحد لهذا الوطن الغالي، سورية بهذا التنوع جابهت عبر تاريخها الطويل إمبراطوريات، ودولاً، ومستعمرين، وجيوشاً، ومغتصبين، ومحتلين، كلَّهم حاولوا تغيير معالمها، ودكّ أسوار الحضارة فيها، وزرع بذور الفتنة بين أبنائها، والسيطرة على خيراتها وإمكاناتها، ووضع حد لرسالة الإخاء والوحدة الوطنية فيها. ولكن سورية لم تركع، بل تحدَّتْ كلّ الصعوبات، وتجاوزت كلّ العوائق، وغيّرت مفاهيمَ المحتلين ومخططاتِهم، وأعطتهم دروساًً وعبراً مبنية على وحدة شعبها وتلاحمهم خاصة أيام المحن. نعم عايشت المسيحية في سورية الإسلام وهنا أتكلم عن ديانة، وديانة الإسلام هي ديانة منفتحة على المسيحية، ولكن الكنيسة مرت بعقبات اعترضت مسيرتها حيث لم يكن ذلك من منبع ديني، فالمشكلة لم تكن في أي يوم من الأيام مشكلة دينية،  إنما المشكلة في تطبيق الدين وتطبيق الدين يكون في المسيحية وفي الإسلام، يعني تطبيق الدين من جهة الصليبيين كان ويلات على الكنيسة المشرقية،  ولذلك لم يطلق المؤرخون المسلمون على تلك الحروب حروباً صليبية، لأنهم فهموا أنها ليست دينية بل سموها حروب إفرنج، ولأنهم عرفوا أن وراءها سياسية بغطاء ديني.‏‏ وعندما يستعمل الدين غطاء للسياسية تكون هناك ويلات على المسيحيين وعلى المسلمين أحياناً حسب الشعوب الآتية .‏‏ إذاً تم اضطهاد مؤمني الكنيسة من قبل مسلمين ومسيحيين، لكن هذا ليست مرجعيته القرآن الكريم أو الإنجيل المقدس، هذه سياسات.‏ ولأجل الصدف في كل مرة كانت تهتز فيها الكنيسة في تاريخها في سورية كان القادمون إليها ليسوا عرباً  كالمغول والتتار والمماليك.‏‏ * إذاً لم تكن محاولات الاضطهاد من أهل الوطن؟ ** بالطبع لا بل أهل الوطن الواحد بنوا الوطن معاً، وكانوا دائماً يدافعون عن بعضهم وأحياناً يتخذون مواقف في إخفاء الحقيقة بغية الدفاع عن الأخ المسيحي أو الأخ المسلم، وأنا لا أحب أن أقول الآخر لأنني حذفت حرف الراء منذ زمن وأصبحنا أخوة.‏‏ لا يستطيع أحدهم أن يلغي الآخر، بإمكان آخر من الخارج أن يلغي أحدنا بدسائس وهذا ما يدعونا اليوم لاتخاذ مواقف لندافع عن مخاوف نراها حولنا في العراق وفلسطين وفي لبنان وأماكن أخرى، ونتمنى أن يكون الشعب السوري شعباً واعياً كفاية حتى لا يصغي إلى الغرب ولا إلى الشرق ولا إلى خارج الحدود، دعونا نرسم حدودنا بهذه الطريقة الوقائية أقصد الحدود المعنوية وأن لا نسمح لأي رأي خارجي أن يدخل إليها، لأننا كما نحن بألف خير.‏‏ ألا ترى أننا ننتمي إلى وطن واحد وإلى حضارة وثقافة واحدة، لا أدّعي الوطنية وحدي ولكن أتمنى من كل المواطنين أن يدافعوا بهذه الطريقة عن مقدساتهم، وأنا بنيت كما بنى كل أبناء الوطن حضارة سورية التي ننتمي إليها.‏‏ * هل لكم كلمة أخيرة توجهونها؟ * كلمتي الأخيرة دعوتي أن نكون حقيقيين مسلمين ومسيحيين، أن يبقى المسيحي مسيحياً حقيقياً، وأن يكون المسلم مسلماً حقيقياً، وأن نعود إلى الجذور، أن نعود إلى أصالتنا في الدين وأصالتنا في المواطنة، وأن لا يظن أحد أنه في موقع ضعف إذا كان سورياً. نحن السوريين أقوياء في مواطنتنا وفي انتماءاتنا الدينية وفي تمازج هذه الحضارات مع بعضها البعض على أرض سورية. إن العالم بأسره لم يعد سوى قرية صغيرة منفتح على بعضه البعض، وأرى أن العالم يحتاج إلى المدرسة السورية مجدداً، إلى مدرسة العيش الأخوي بين الديانات، وإلى الانتماء الوطني. إن انفتاح العالم على بعضه جعل الكثيرين من شباب العرب ينتمون إلى غير الانتماء الوطني، وأظن أن تمسكنا بعروبتنا وتمسكنا بالعدل في قضيتنا، وبما نحن عليه هذا شيء

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي Read More »

في الدين ومفهومات الإعاقة

في الدين ومفهومات الإعاقة

في الدين  ومفهومات الإعاقة يشغل منصب مدير عام منتدى المعارج لحوار الأديان والثقافات، يمتطي صهوة الحوار ويحمل على عاتقه مسؤولية التقارب والتواصل في سبيل بناء الوطن والحفاظ على وحدته بكل مكوناته الاثنية والدينية والقومية. في حديثه دفء.. ومحبة قد لا تقاس بالكلمات بقدر ما تقاس بتقاسيم وجهه وبما يبثه في نفسك وهو يتحدث لك عن حبه الكبير للإنسان والأرض وإيمانه العميق بالقيم وبالحقوق. هو سماحة الشيخ حسين أحمد شحادة المشرف العام على مجلة المعارج الشهرية التي تعنى بالدراسات القرآنية وحوار الأديان والثقافات. سماحة الشيخ حسين؛ من الواضح أن ثمة حالة مركّبة في عنوان نظرة الدين الاجتماعية لظاهرة الإعاقة، يصعب مقاربتها موضوعياً هل يمكن لسماحتكم أن توضحوا لنا أهمية الموقف الديني من الإعاقات؟. في البدء علينا الإجابة عن سؤال: أيهما وجد من أجل الآخر.. الإنسان أم الدين؟!. وفي مدى السجال المعقد حول أن الدين هو الهدف أم الإنسان ستفترق الرؤى إلى مذاهب متعددة حول تعريف ما هو الدين وما هو الإنسان.. وعندي أن من أخطر الخطر تزييف الوعي بمصطلح الدين لتحويله من وسيلة ربانية لتكريم الإنسان وتحريره من كافة أشكال العبودية إلى وسيلة بشرية تستعبد الإنسان باسم الدين وتصادر أعزّ ما يملك في وجوده من حقوق. ولا يمكن فضّ التنازع بين هذين المصطلحين دون أن نميّز بين التعريف التاريخي اللاهوتي العقدي للدين وبين التعريف الاجتماعي لجوهر الدين ورسالته، إذ كلما أوغل المتكلمون باسم الدين في الاستغراق بتعريفاتهم التاريخية والعقدية لمفهوم الدين، اتسعت بينهم فجوات الاختلاف والتناقض حول تفسير الدين ومعناه. كذلك كلما اقترب المتكلمون باسم الدين من محورية الإنسان بوصفه مركز الاتصال بالجانب الاجتماعي من الدين توحدت فيما بينهم مساحة الالتقاء التام على منظومة القيم والأخلاق، وفي مضمونها الاعتراف بأن الدين هو من أجل الإنسان أي من أجل سموه وكماله وجماله. فإن صح لنا أن نختلف على تأويلات الدين في جانبه العقدي، فلا يجوز لنا أن نختلف على تأويل الإنسان ومنابت وحدته. وفي المآل الأخير من الجدل حول الدين والإنسان أيهما وجد من أجل الآخر، آن لنا أن نعترف أمام فجائعيات الحروب الدينية والصراعات الدينية بوحدة الإنسان والدين على قاعدة الكلمة السواء التي يعزّ عليها أن ترى بعيون توراتها وإنجيلها وقرآنها تجزئة الإنسان وتجزئة الدين المحرمة كأشد ما يكون التحريم. وعلى ثابت هذه الوحدة الإنسانية أجاهر بوجوب تصحيح مناهج التفكير الديني في التعاطي مع ظاهرة الإعاقة حيث يتم اختزال صورة المعوق في الخطاب الديني بصورة المذنب الذي يجني أخطاء يديه أو أبويه أو مجتمعه. وفي ظل هذه الإدانة المسبقة لظاهرة الإعاقة سيعفي الخطاب الديني نفسه من أقدس مسؤولياته في التنمية البشرية باسم تصنيم العلاقة بالدين على حساب كرامة الإنسان نفسه. ألا ترون سماحتكم بأن أصحاب العاهات الحقيقية اليوم هم من يواجهون الآخر بلهجات الاستبعاد والتكفير والتخوين؟ أنا لست قلقاً على ذوي الاحتياجات الخاصة في أجسادهم لأنهم بين يدي المحبة المسيحية، والرحمة الإسلامية، يسبقون الأصحاء إلى ملكوت السماء بفصاحة ما تلاه لوقا «اذهب على عجل وأتي بالفقراء والكسحان والعميان» (لو 21 /14). غير أني مؤرق بمنتهى الأرق من تلك الفتن الدينية والسياسية التي يقودها عميان الدين والسياسة في شرق العالم وغربه. فليس أقتل للإنسان في روحه وهويته الحضارية من أن يؤجج نيران الفتن وسفك الدماء المجانية في ظلموت يحشر بظلمه يوم القيامة. وما كان لهذه الفتن أن تمتد تحت مظلة الاحتلال لولا أبشع الإعاقات المستشرية في جسم الوطن العربي كله من محيطه إلى خليجه ـ عنيت بها إعاقات الجهالة والفقر والمرض والأمية ـ فمن ذا يصدّق وبحسب الدراسات الإحصائية أن ينتشر على أرصفة عواصمنا العربية ما لا يقل عن ثلاثين مليون معوق جسدياً ويا للمفارقة الساخرة، وسبعين مليون معوق من إعاقة الأمية. وأكاد أخجل أن ارتفع بهذه إلى أضعافها من ملايين الإعاقات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية. ولا أكاد أقوم من مشهد فاجعة هذا التخلف العربي والتمزّق العربي وانهياراته حتى أقول مشفقاً على أجيالنا القادمة بأن من نسميهم اليوم بذوي العاهات والحاجات الخاصة هم الأصحاء الوحيدون بيننا، ولا يتعذّر عليّ التفرقة في مسألة التخلف بين شرق هنا وغرب هناك في ظاهرة انحدار الأخلاق. وعلى بينات أن الدين من أجل الإنسان لم يصحو العقل البشري على كرامة المعوقين وحقوقهم الإنسانية إلا مع تنزيل الكتب السماوية التي تجاوزت مفهوم الإعاقة العضوية لتوقظها إلى ما هو أشد إيلاماً وخطراً على سلامة المجتمع وأمانه فيما يظهر القرآن عن فئات من الناس تحجرت قلوبهم القاسية فهي أشد قساوة من الحجارة. فلا تريد أن تقرأ ولا تريد أن تسمع ولا تريد أن ينبض لها قلب بنداء الإيمان فهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (البقرة 18). ولم يشأ القرآن في إضاءاته لمعنى الكرامة الإنسانية وحقوقها أن يضع شيئاً من الفواصل بين المبتلى في جسده وبين المعافى، لأن الابتلاء المبين من ابتليَّ بنقص في روحه أو أخلاقه. إذن ما هو تعريف المعوق قرآنياً؟ إن تعريف المعوق بحسب القرآن هو المتخلف عن فريضة الدفاع عن الوطن أرضاً وحرية وكرامة: فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (التوبة 83).. وعلى هذه الرؤية تأسس الفقه الإسلامي برفع أعباء التكليف والمسؤولية عمن لا يقدرون عليها وقلوبهم توّاقة إليها فيما يظهر من آيات الضرر والأعذار والضعفاء. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (النساء 98). هناك بعض الأعراف والتقاليد التي تدعو إلى الابتعاد عن المعوق وحبسه كي لا يصبح سخرية للآخرين؟ تحرم قطيعة المعوق واعتزاله بسبب إعاقته، فليس من أدب التربية القرآنية في الاعتزال والقطع، إلا اعتزال الظلم والظالمين فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا  (مريم 49). ولم يكد يمضي على مأثورات السيرة النبوية في المعوقين قرن واحد حتى تلقاها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (رض) ليترجمها على أرض الواقع إلى مؤسسة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة حيث أمر بإجراء إحصاء للمعوقين وتخصيص قائد لكل كفيف وخادم لكل مقعد لا يقوى على القيام. ولقد سرت هذه القيم النبيلة إلى نظام الوقف والأوقاف في رحاب المسيحية والإسلام فأنشئت في كثير من العواصم العربية أوقاف يجتمع القائمون عليها للعناية بكل من أصابته مصيبة من غوابر المحن والمصائب. ولا يسعني إحصاء الأديرة العربية التي نذرت نفسها لكفالة من لم يجد كفيلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة منذ دير حزقيال بين واسط وبغداد في القرن الأول الهجري وحتى منتهى ربوع أديرتنا المشعة بروح المسيح ومحبته. ولا تزال سورية تذكر المستشفى العتيق أو المشفى النوري الذي تأسس وقفاً لصالح المعتوهين. ولكم أن تمدوا  أيديكم إلى المخطوطات الظاهرية ومكتبة الأسد بدمشق لتقفوا على عشرات التصانيف التي ألفت عن حقوق المعوقين

في الدين ومفهومات الإعاقة Read More »

معاناة المرأة المطلقة وأولادها

معاناة المرأة المطلقة وأولادها

معاناة المرأة المطلقة وأولادها بين قصور القانون وتحايل الرجل منذ أسطورة “عشتار” آلهة الخصب والجمال.. مروراً بـ “زنوبيا” ملكة تدمر.. والإمبراطورة السورية “جوليا دومنا” والدة قيصر روما العربي.. إلى السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليه السلام.. كانت المرأة السورية عبر العصور والحضارات جزءاً مباشراً أو غير مباشر في صناعة المجتمع السوري وتقدمه روحياً وحضارياً.. بل وفي تقدم الإنسانية بشكل عام. حين نذكر المرأة السورية.. تتدفق إلى أذهاننا صور تؤرخ لعظمة نساء ساهمن في تحقيق الاستقلال السوري.. ومررن إلى عصر المعرفة بنجاح في الجوانب الثقافية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وصولاً إلى نهضة عامة للمجتمع. واليوم.. وعلى الرغم من النقاط المضيئة في حياة المرأة السورية قديماً وحديثاً من خلال تبووئها مناصب رفيعة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.. ما زالت المرأة تناضل للحصول على بعض من حقوقها المدنية والشرعية، وللتخلص من ظلم الطلاق والهجر الذي يسبقه إخضاعها لسيطرة الرجل والمجتمع بسبب منظومة الأعراف والتقاليد والقوانين المستندة زيفاً إلى الموروث الديني. وفي التحقيق التالي نحاول تسليط الضوء على جزء من هذه المعاناة من خلال الإطلاع على بعض إحصائيات انتهت إليها المحاكم الشرعية في كافة المحافظات السورية، حيث نلحظ تزايداً مستمراً لعدد دعاوى التفريق بين الأزواج، ففي دمشق وحدها عام 2008 وصلت حالات الطلاق لـ 5242 حالة، وبالتأكيد هذا العدد يتكرس سنوياً زيادة أو نقصان. وهذه الحالات والقضايا ترافقها قضايا أخرى تتعلق بحضانة الأولاد والنفقة وتأمين السكن للحاضنة وما شابه، ولكل قضية تفرعاتها. أهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة من جهتها ترى الدكتورة ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية أن أهم معاناة للمرأة المطلقة والحاضنة هي مشكلة النفقة،  وبحسب القانون فالنفقة يحددها القاضي الذي يعتمد على حساب معدل دخل الزوج، وتضيف: برأيي أن هذه النفقة لا تكفي، وينبغي أن تستقل المرأة اقتصادياً لتكون مستقلة في قراراتها دون الاعتماد على الآخر. وفي موازاة واقع مؤلم تعيشه المرأة المطلقة والحاضنة، فثَمَة واجبات تحتمها المسؤولية الرسمية والشعبية تجاهها ومنها ما ذكرته الدكتورة ديالا الحاج عارف عن “عقد شراكة بين وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعية تطوير المرأة، حيث استحدثت الجمعية مأوى للنساء اللواتي تعرضن للعنف، ولإعادة تأهيلهن ليكن منتجات ويحققن دخولاً مادية لإعالة أنفسهن وأولادهن. لكن في الوقت ذاته ترى الدكتورة ديالا بأن “الجهود السابقة لا تنفي أن قوانين تنفيذ إجراءات الطلاق غير منطقية و”ذكورية” وبحاجة إلى إعادة نظر”. وللحديث أكثر عن “مأوى النساء المعنَفات” التقينا مديرة الجمعية السورية لتطوير دور المرأة رانيا الجابري طلاس، حيث قالت: “في هذا المأوى تتعلم النزيلات بعض الحرف اليدوية البسيطة ومن ثم نسوّق ما ينتجنه لإعالة أنفسهن، إضافة لإشراكهن في دورات للحاسوب ونقدم لهن استشارات اجتماعية وطبية وقانونية مجاناً”. الجهل أهم أسباب الطلاق في المنوال ذاته تضيف رانيا الجابري طلاس: “إن الجهل والفقر من أهم أسباب الطلاق، فالجهل يضعف شخصية المرأة ويجعلها خاضعة لخوف شبح الطلاق، ويجعلها تلتزم الصمت عن المطالبة بحقوقها المشروعة خشية إغضاب زوجها وبالتالي طردها من منزل يأويها وتشريدها مع أولادها”. وترى السيدة رانيا “أهمية رفع سويَة العلم لدى المرأة لمواجهة هكذا أزمات، وضرورة إعادة النظر في قضية تحديد “النفقة”، إضافة لإجراءات الطلاق التعسفي”. وتضيف: من السهل على بعض الرجال التحايل على القوانين وتقديم شهادة “فقر حال” للتهرب من مسؤولياته كمنفق على زوجته وأولاده، الأمر الذي ينعكس على حال أطفالهم الذين يشعرون بالحرج أمام زملائهم نتيجة “العوز” الذي يعانونه مقارنة بأقرانهم، إضافة إلى أن مكان لقاء الزوجين المنفصلين غير مؤهل نفسياً لوجود أولادهم، حيث ينعدم فيه “الجو الأسري” ما يؤدي إلى تزعزع شخصية الطفل. الطلاق التعسفي وحسب تجارب سابقة لنساء مطلقات، فإن معاناة معظمهن تأتي نتيجة تعرضهن لما يوصف بـ “الطلاق التعسفي” ، ويشير المحامي نذير سنان إلى أن “المشرّع السوري انتبه لهذا الأمر وعدَل قانون الأحوال الشخصية رقم 95 لعام 1953 بالقانون 34 لعام 1975، وأهم ما فيه أنه إذا تبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقه لزوجته دونما سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها نتيجة الطلاق بؤس وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم للزوجة على مطلقها بحسب ماله ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها إضافة لنفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع التعويض دفعة واحدة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال”. ويقول المحامي سنان: “الطلاق التعسفي هو انحراف الزوج عن السلوك والأخلاق وما حددته الشريعة على الزوج من واجب حماية زوجته وأولاده بما لا يقل عن حمايته لأمه، بحيث لا يفرق الزوج بين حقوق أمه عليه وبين حقوق زوجته، فهي أم أيضاً”. ويضيف: “الطلاق التعسفي يتعارض مع حقوق أفراد الأسرة في المجتمع السوري، ويعطل حقوقهم في الحياة، ويخالف أهداف الزواج الذي شرعه الله في شريعته”. ويأسف سنان “لنتائج تطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاص بـ”النفقة” رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته حتى نهاية عام “2008”. ويشير إلى أن “الجدول المرفق رقم (1) يؤكد ضرورة تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الخاصة بحماية الزوجة والأولاد إضافة إلى أهمية إفساح المجال للقاضي بالتصرف فيما يراه مناسباً وإنسانياً لفرض نفقة حضانة للزوجة وأولادها تكفيهم العوز وتسد احتياجاتهم الأساسية. المعاملة على أساس المساواة في الإطار ذاته تتفق هند قبوات المستشارة الدولية وسفيرة حل النزاعات مع الرأي السابق لجهة “ضرورة إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية وإجراء تعديلات تناسب تطور الزمن”، فالحكم في الأحوال الشخصية ينبغي أن يكون للقانون المدني المناسب لمختلف المذاهب والطوائف، بحيث يصبح لنا كمواطنين سوريين قانوناً موحداً لأسرة علمية متطورة يستند إلى الدستور وتكون المعاملات على أساس المساواة بعيداً عن أي تمييز. وترى قبوات أن “القانون الحالي للأحوال الشخصية في سورية يعاني من ثغرات ينبغي تداركها وتقييدها دفعاً للضرر، فلا ضرر ولا ضرار، والمطلوب نفقة إعالة يتوجب ألا تقدَر بحد أدنى للكفاية بل بما يليق لبناء أفراد متكاملين ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وضرورة توفير مسكن مؤهل للمرأة الحاضنة لرعاية أولادها دون الحاجة إلى تسول حقها الشرعي من الأهل والأقارب والجمعيات الخيرية، ولن يتحقق ذلك بحفظ الحقوق من خلال قوانين تمنع الزوج من ارتكاب قرارات تعسفية ضد زوجته وأولاده. وتشير المحامية هند قبوات إلى جانب آخر يساعد في حفظ حقوق المرأة يتعلق  بـ”أهمية المعرفة والعلم للمرأة وضرورة تضافر جهود المؤسسات الحكومية والأهلية لمحاربة جهل الفتيات والنساء وتمكينهن من حقوقهن المشرعة لهن، فالمرأة التي تملك المعرفة قادرة على مواجهة تحديات الحياة، ومن خلال التنمية الثقافية والمعرفية ستكون المرأة مؤهلة للاعتماد على نفسها بعيداً عن “مزاجية” الرجل أحياناً وعن التقاليد الجائرة أحياناً أخرى”.   المرأة أكثر من نصف المجتمع من جهة ثانية، يردد البعض فكرة أن “النفقة للزوجة ينبغي أن تتبع الزمان والمكان”، وأن “نمو الأولاد وزيادة احتياجاتهم سبب مبرر لزيادة النفقة”. ذلك ما أكدته مديرة تحرير مجلة المعارج لحوار الأديان هند عبيدين، حيث تقول: “المرأة ليست نصف المجتمع عدداً فقط  بل أكثر من ذلك بحكم تأثيرها في أولادها وأسرتها والمجتمع عامة، والدفاع عن المرأة وحقوقها ليس دفاعاً عن شخصيتها بل دفاعاً عن قيم التحضر والتقدم والتنمية وقيم العدل والمساواة التي جاء بها الدين

معاناة المرأة المطلقة وأولادها Read More »