محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي

محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي

يتآخى المسيحيون والمسلمون في سورية على هوية حضارية واحدة، هي حضارة الكرامة الإنسانية وحريتها المهمومة بسلام العالم وأمنه، بالرغم من تلك القرون المديدة التي تأججت فيها حروب التطرّف الديني والعنف المقدّس في أكثر من منطقة في العالم من خلال استغلال الدين ضد الدين والإنسان.
وفي سورية نلتقي كل يوم مسلمين ومسيحيين، نلتقي في عشق الوطن والدفاع عنه من عدوان المغتصبين والطامعين… في تذكارات وطنيةٍ مترادفة، لننشد للأرض انتماءنا ووفاءنا، وللإنسان احترامنا وحبنا. نلتقي كل ساعة، في تجسد إيماننا أفعال رحمة وزكاة وعطاء… نلتقي لنسعى متنافسين لإطعام الجياع وسقي العطاش وإيواء المهجرين والنازحين… نلتقي بالإيمان باللّه الواحد، مترجمين هذا محبةً ووحدةً في إيماننا الإسلامي المسيحي كما تلقيناه على أرضنا التي انتدبتها السماء لتكون أرض المحبة… محبة اللّه للبشر، ومحبة البشر بعضهم لبعض، كما أوصتنا السماء.
وفي عيد الفصح المجيد عيد قيامة السيد المسيح، نلتقي سيادة المتربوليت “إيسيدور بطيخة” متربوليت “يبرود وحمص وحماة” وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك، لنتجاذب معه أطراف الحديث ونغني معرفتنا من خلال إجابات قدسية تعرف معنى انتصار الفرح ومعنى قهر الموت بالحياة والقيامة..
* سيادة المتروبوليت “إيسيدور بطيخة” كيف ترون دور الكنيسة والمسجد في بناء الوحدة الوطنية؟
* لهما دور كبير، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني مهم جداً، وأملنا أن لا يكون التجديد فقط في المساجد والكنائس، وإنما في المعاهد والمدارس الدينية حيث يتدرب الكهنة والمشايخ ليتحضروا لهذا الخطاب. ‏‏وعندما أتحدث عن تجديد الخطاب الديني، لا أتكلم عن شيء فاسد نريد إصلاحه، فالمقصود أن يواكب الخطاب الديني أحداث العالم والمستجدات فيه، وأن ينظروا كيف يمكن أن يستفيدوا من وسائل الإعلام ليقولوا الحقيقة ويظهروها، وكم من حقيقة في سورية نتمنى أن تظهر للملأ.
* سيادة المتروبوليت سبق وذكرتم أنكم تنتمون إلى حضارة عربية إسلامية هل يمكن أن تشرحوا لنا معنى كلامكم هذا؟
** نعم نحن ننتمي إلى حضارة عربية، فنحن عرب مسيحيون تكلمنا دائماً بالعربية ولسنا قادمين من مكان ما في العالم، بل نحن من جذور هذه الأرض والبلاد العربية هي أوطاننا.‏‏
وأقولها بصراحة نحن نشعر أننا غرباء في كل الأرض ماعدا هذه الأرض، هذا وطننا وهذه أرضنا  والعروبة هي جزء من معتقداتنا ومن تاريخنا.‏‏
أما الحضارة الإسلامية العربية، فإن الحضارة الإسلامية قد تفاعلت ككل الحضارات مع واقع تاريخي موجود قبل الإسلام في سورية، كما تفاعل اليونان مع السريان من قبل، وفيما بعد تفاعل العرب في أرض سورية ليظهروا الثقافة والحضارة الإسلامية العربية مجدداً .‏‏
نحن نعلم أن كل من جاء إلى سورية قبلاً أتاها محتلاً، ووضع بصمات مختلفة في حضارتنا، وكل هذه الامتزاجات والبصمات الموجودة انصهرت في حضارة تسمى الحضارة العربية الإسلامية، و فيها جزء من التاريخ السرياني، إذن الثقافة السريانية ساهمت في بناء الحضارة العربية الإسلامية وكذلك اليونانية قبلها، ونحن نعلم أنه في القرن العاشر تمت ترجمات من السريانية واليونانية إلى اللغة العربية، وسمي العصر الذهبي للعلوم العربية، وبدورها أفادت الغرب ونقلت العلوم إليهم، ‏‏إذاً لنا دور كبير في الحضارة التي تدعى اليوم عربية إسلامية، ومن حقنا أن نفتخر ليس بدورنا فقط بل بهذه الحضارة.‏‏
* كيف ترون سيادتكم مسيرة التعايش المسيحي- الإسلامي في سورية على مرّ التاريخ؟
** سورية أرض الحضارة والتاريخ، سورية التي احتضنت كل الأديان، والمذاهب، والثقافات، والأعراق، والتقاليد، كل هذا التنوع انصهر في النسيج الواحد لهذا الوطن الغالي، سورية بهذا التنوع جابهت عبر تاريخها الطويل إمبراطوريات، ودولاً، ومستعمرين، وجيوشاً، ومغتصبين، ومحتلين، كلَّهم حاولوا تغيير معالمها، ودكّ أسوار الحضارة فيها، وزرع بذور الفتنة بين أبنائها، والسيطرة على خيراتها وإمكاناتها، ووضع حد لرسالة الإخاء والوحدة الوطنية فيها. ولكن سورية لم تركع، بل تحدَّتْ كلّ الصعوبات، وتجاوزت كلّ العوائق، وغيّرت مفاهيمَ المحتلين ومخططاتِهم، وأعطتهم دروساًً وعبراً مبنية على وحدة شعبها وتلاحمهم خاصة أيام المحن.
نعم عايشت المسيحية في سورية الإسلام وهنا أتكلم عن ديانة، وديانة الإسلام هي ديانة منفتحة على المسيحية، ولكن الكنيسة مرت بعقبات اعترضت مسيرتها حيث لم يكن ذلك من منبع ديني، فالمشكلة لم تكن في أي يوم من الأيام مشكلة دينية،  إنما المشكلة في تطبيق الدين وتطبيق الدين يكون في المسيحية وفي الإسلام، يعني تطبيق الدين من جهة الصليبيين كان ويلات على الكنيسة المشرقية،  ولذلك لم يطلق المؤرخون المسلمون على تلك الحروب حروباً صليبية، لأنهم فهموا أنها ليست دينية بل سموها حروب إفرنج، ولأنهم عرفوا أن وراءها سياسية بغطاء ديني.‏‏ وعندما يستعمل الدين غطاء للسياسية تكون هناك ويلات على المسيحيين وعلى المسلمين أحياناً حسب الشعوب الآتية .‏‏
إذاً تم اضطهاد مؤمني الكنيسة من قبل مسلمين ومسيحيين، لكن هذا ليست مرجعيته القرآن الكريم أو الإنجيل المقدس، هذه سياسات.‏
ولأجل الصدف في كل مرة كانت تهتز فيها الكنيسة في تاريخها في سورية كان القادمون إليها ليسوا عرباً  كالمغول والتتار والمماليك.‏‏
* إذاً لم تكن محاولات الاضطهاد من أهل الوطن؟
** بالطبع لا بل أهل الوطن الواحد بنوا الوطن معاً، وكانوا دائماً يدافعون عن بعضهم وأحياناً يتخذون مواقف في إخفاء الحقيقة بغية الدفاع عن الأخ المسيحي أو الأخ المسلم، وأنا لا أحب أن أقول الآخر لأنني حذفت حرف الراء منذ زمن وأصبحنا أخوة.‏‏ لا يستطيع أحدهم أن يلغي الآخر، بإمكان آخر من الخارج أن يلغي أحدنا بدسائس وهذا ما يدعونا اليوم لاتخاذ مواقف لندافع عن مخاوف نراها حولنا في العراق وفلسطين وفي لبنان وأماكن أخرى، ونتمنى أن يكون الشعب السوري شعباً واعياً كفاية حتى لا يصغي إلى الغرب ولا إلى الشرق ولا إلى خارج الحدود، دعونا نرسم حدودنا بهذه الطريقة الوقائية أقصد الحدود المعنوية وأن لا نسمح لأي رأي خارجي أن يدخل إليها، لأننا كما نحن بألف خير.‏‏
ألا ترى أننا ننتمي إلى وطن واحد وإلى حضارة وثقافة واحدة، لا أدّعي الوطنية وحدي ولكن أتمنى من كل المواطنين أن يدافعوا بهذه الطريقة عن مقدساتهم، وأنا بنيت كما بنى كل أبناء الوطن حضارة سورية التي ننتمي إليها.‏‏
* هل لكم كلمة أخيرة توجهونها؟
* كلمتي الأخيرة دعوتي أن نكون حقيقيين مسلمين ومسيحيين، أن يبقى المسيحي مسيحياً حقيقياً، وأن يكون المسلم مسلماً حقيقياً، وأن نعود إلى الجذور، أن نعود إلى أصالتنا في الدين وأصالتنا في المواطنة، وأن لا يظن أحد أنه في موقع ضعف إذا كان سورياً. نحن السوريين أقوياء في مواطنتنا وفي انتماءاتنا الدينية وفي تمازج هذه الحضارات مع بعضها البعض على أرض سورية. إن العالم بأسره لم يعد سوى قرية صغيرة منفتح على بعضه البعض، وأرى أن العالم يحتاج إلى المدرسة السورية مجدداً، إلى مدرسة العيش الأخوي بين الديانات، وإلى الانتماء الوطني. إن انفتاح العالم على بعضه جعل الكثيرين من شباب العرب ينتمون إلى غير الانتماء الوطني، وأظن أن تمسكنا بعروبتنا وتمسكنا بالعدل في قضيتنا، وبما نحن عليه هذا شيء مهم ودرس أتمنى أن يقرأه كل المسيحيين وكل المسلمين في سورية.‏‏
نحن في سورية نمارس العيش الحقيقي ونحياه منهجاً وحضارة بين كل المذاهب والطوائف والمعتقدات، تجمعنا أرض مقدسة مباركة، وتجمعنا إرادة الله العلي القدير (الشام الله حاميها)، وإن علاقتنا بإخوتنا المسلمين وبالإسلام  تشكّل جانباً مميّزاً وأساسياً لهويّة كنائسنا ضمنَ الكنيسة الجامعة. إن العيش المشترك مع المسلمين هو عنصر أساسي من حياتنا المسيحية في هذه المنطقة العزيزة من العالم. وعليه فيجب أن يظل دائماً محطّ اهتمامنا وتفكيرنا والتزامنا. وفي هذا المجال نتذكّر ما سبق وقلناه: «إن العيش المشترك بيننا ومع إخوتنا على مدى قرون طويلة يشكّل خبرة أساسية لا عودةَ عنها، وجزءاً من مشيئة الله علينا وعليهم». ونحن نعمل دوماً جاهدين كي نعزّز هذا العيش المشترك، ونفتح له إمكانات وآفاقاً تقتضيها تحدِّيات العصر ومستجدّاته، محليّاً وعالميّاً.
بالإضافة إلى هذا، فإنّنا لا ننسى أنّ العالم اليوم يسير بشكل مضطّرد نحو التلاقي والشمولية، بكل ما في ذلك من إمكانات وآمال وصعوبات وتوتّرات. ومما لا شكّ فيه إن الديانات تلعب، في هذه الفترة التاريخية بالذات، دوراً خاصاً ومؤثّراً ومصيريّاً في مجال هذه العلاقات البشرية المتنامية.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن العيش المشترك بين البشر في الألف الثالث من تاريخنا يقرره التلاقي الإيجابي والبنّاء بين أبناء الديانات المختلفة على وجه العموم، وبين أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية على وجه الخصوص.

 

هند عبيدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *