في الدين ومفهومات الإعاقة

في الدين ومفهومات الإعاقة

في الدين  ومفهومات الإعاقة

يشغل منصب مدير عام منتدى المعارج لحوار الأديان والثقافات، يمتطي صهوة الحوار ويحمل على عاتقه مسؤولية التقارب والتواصل في سبيل بناء الوطن والحفاظ على وحدته بكل مكوناته الاثنية والدينية والقومية. في حديثه دفء.. ومحبة قد لا تقاس بالكلمات بقدر ما تقاس بتقاسيم وجهه وبما يبثه في نفسك وهو يتحدث لك عن حبه الكبير للإنسان والأرض وإيمانه العميق بالقيم وبالحقوق. هو سماحة الشيخ حسين أحمد شحادة المشرف العام على مجلة المعارج الشهرية التي تعنى بالدراسات القرآنية وحوار الأديان والثقافات.

سماحة الشيخ حسين؛ من الواضح أن ثمة حالة مركّبة في عنوان نظرة الدين الاجتماعية لظاهرة الإعاقة، يصعب مقاربتها موضوعياً هل يمكن لسماحتكم أن توضحوا لنا أهمية الموقف الديني من الإعاقات؟.
في البدء علينا الإجابة عن سؤال: أيهما وجد من أجل الآخر.. الإنسان أم الدين؟!.
وفي مدى السجال المعقد حول أن الدين هو الهدف أم الإنسان ستفترق الرؤى إلى مذاهب متعددة حول تعريف ما هو الدين وما هو الإنسان.. وعندي أن من أخطر الخطر تزييف الوعي بمصطلح الدين لتحويله من وسيلة ربانية لتكريم الإنسان وتحريره من كافة أشكال العبودية إلى وسيلة بشرية تستعبد الإنسان باسم الدين وتصادر أعزّ ما يملك في وجوده من حقوق. ولا يمكن فضّ التنازع بين هذين المصطلحين دون أن نميّز بين التعريف التاريخي اللاهوتي العقدي للدين وبين التعريف الاجتماعي لجوهر الدين ورسالته، إذ كلما أوغل المتكلمون باسم الدين في الاستغراق بتعريفاتهم التاريخية والعقدية لمفهوم الدين، اتسعت بينهم فجوات الاختلاف والتناقض حول تفسير الدين ومعناه. كذلك كلما اقترب المتكلمون باسم الدين من محورية الإنسان بوصفه مركز الاتصال بالجانب الاجتماعي من الدين توحدت فيما بينهم مساحة الالتقاء التام على منظومة القيم والأخلاق، وفي مضمونها الاعتراف بأن الدين هو من أجل الإنسان أي من أجل سموه وكماله وجماله. فإن صح لنا أن نختلف على تأويلات الدين في جانبه العقدي، فلا يجوز لنا أن نختلف على تأويل الإنسان ومنابت وحدته. وفي المآل الأخير من الجدل حول الدين والإنسان أيهما وجد من أجل الآخر، آن لنا أن نعترف أمام فجائعيات الحروب الدينية والصراعات الدينية بوحدة الإنسان والدين على قاعدة الكلمة السواء التي يعزّ عليها أن ترى بعيون توراتها وإنجيلها وقرآنها تجزئة الإنسان وتجزئة الدين المحرمة كأشد ما يكون التحريم. وعلى ثابت هذه الوحدة الإنسانية أجاهر بوجوب تصحيح مناهج التفكير الديني في التعاطي مع ظاهرة الإعاقة حيث يتم اختزال صورة المعوق في الخطاب الديني بصورة المذنب الذي يجني أخطاء يديه أو أبويه أو مجتمعه.
وفي ظل هذه الإدانة المسبقة لظاهرة الإعاقة سيعفي الخطاب الديني نفسه من أقدس مسؤولياته في التنمية البشرية باسم تصنيم العلاقة بالدين على حساب كرامة الإنسان نفسه.

ألا ترون سماحتكم بأن أصحاب العاهات الحقيقية اليوم هم من يواجهون الآخر بلهجات الاستبعاد والتكفير والتخوين؟
أنا لست قلقاً على ذوي الاحتياجات الخاصة في أجسادهم لأنهم بين يدي المحبة المسيحية، والرحمة الإسلامية، يسبقون الأصحاء إلى ملكوت السماء بفصاحة ما تلاه لوقا «اذهب على عجل وأتي بالفقراء والكسحان والعميان» (لو 21 /14). غير أني مؤرق بمنتهى الأرق من تلك الفتن الدينية والسياسية التي يقودها عميان الدين والسياسة في شرق العالم وغربه. فليس أقتل للإنسان في روحه وهويته الحضارية من أن يؤجج نيران الفتن وسفك الدماء المجانية في ظلموت يحشر بظلمه يوم القيامة.
وما كان لهذه الفتن أن تمتد تحت مظلة الاحتلال لولا أبشع الإعاقات المستشرية في جسم الوطن العربي كله من محيطه إلى خليجه ـ عنيت بها إعاقات الجهالة والفقر والمرض والأمية ـ فمن ذا يصدّق وبحسب الدراسات الإحصائية أن ينتشر على أرصفة عواصمنا العربية ما لا يقل عن ثلاثين مليون معوق جسدياً ويا للمفارقة الساخرة، وسبعين مليون معوق من إعاقة الأمية. وأكاد أخجل أن ارتفع بهذه إلى أضعافها من ملايين الإعاقات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية. ولا أكاد أقوم من مشهد فاجعة هذا التخلف العربي والتمزّق العربي وانهياراته حتى أقول مشفقاً على أجيالنا القادمة بأن من نسميهم اليوم بذوي العاهات والحاجات الخاصة هم الأصحاء الوحيدون بيننا، ولا يتعذّر عليّ التفرقة في مسألة التخلف بين شرق هنا وغرب هناك في ظاهرة انحدار الأخلاق.
وعلى بينات أن الدين من أجل الإنسان لم يصحو العقل البشري على كرامة المعوقين وحقوقهم الإنسانية إلا مع تنزيل الكتب السماوية التي تجاوزت مفهوم الإعاقة العضوية لتوقظها إلى ما هو أشد إيلاماً وخطراً على سلامة المجتمع وأمانه فيما يظهر القرآن عن فئات من الناس تحجرت قلوبهم القاسية فهي أشد قساوة من الحجارة. فلا تريد أن تقرأ ولا تريد أن تسمع ولا تريد أن ينبض لها قلب بنداء الإيمان فهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (البقرة 18).
ولم يشأ القرآن في إضاءاته لمعنى الكرامة الإنسانية وحقوقها أن يضع شيئاً من الفواصل بين المبتلى في جسده وبين المعافى، لأن الابتلاء المبين من ابتليَّ بنقص في روحه أو أخلاقه.

إذن ما هو تعريف المعوق قرآنياً؟
إن تعريف المعوق بحسب القرآن هو المتخلف عن فريضة الدفاع عن الوطن أرضاً وحرية وكرامة:
فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (التوبة 83).. وعلى هذه الرؤية تأسس الفقه الإسلامي برفع أعباء التكليف والمسؤولية عمن لا يقدرون عليها وقلوبهم توّاقة إليها فيما يظهر من آيات الضرر والأعذار والضعفاء.
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (النساء 98).

هناك بعض الأعراف والتقاليد التي تدعو إلى الابتعاد عن المعوق وحبسه كي لا يصبح سخرية للآخرين؟
تحرم قطيعة المعوق واعتزاله بسبب إعاقته، فليس من أدب التربية القرآنية في الاعتزال والقطع، إلا اعتزال الظلم والظالمين فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا  (مريم 49). ولم يكد يمضي على مأثورات السيرة النبوية في المعوقين قرن واحد حتى تلقاها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (رض) ليترجمها على أرض الواقع إلى مؤسسة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة حيث أمر بإجراء إحصاء للمعوقين وتخصيص قائد لكل كفيف وخادم لكل مقعد لا يقوى على القيام. ولقد سرت هذه القيم النبيلة إلى نظام الوقف والأوقاف في رحاب المسيحية والإسلام فأنشئت في كثير من العواصم العربية أوقاف يجتمع القائمون عليها للعناية بكل من أصابته مصيبة من غوابر المحن والمصائب.
ولا يسعني إحصاء الأديرة العربية التي نذرت نفسها لكفالة من لم يجد كفيلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة منذ دير حزقيال بين واسط وبغداد في القرن الأول الهجري وحتى منتهى ربوع أديرتنا المشعة بروح المسيح ومحبته. ولا تزال سورية تذكر المستشفى العتيق أو المشفى النوري الذي تأسس وقفاً لصالح المعتوهين. ولكم أن تمدوا  أيديكم إلى المخطوطات الظاهرية ومكتبة الأسد بدمشق لتقفوا على عشرات التصانيف التي ألفت عن حقوق المعوقين وأحوالهم والآداب المتصلة ببرهم والعناية بهم. وكما شهدت كنائسنا العربية آباءً كباراً لم تمنعهم الإعاقة البدنية عن النهوض بأمانة الإنجيل، كذلك سطعت من جوامعنا ومحاريبنا أسماء كبار الأئمة المعوقين فكان فيهم الأعشى والأحنف والأحدب والأعرج والأصم..

كيف يمكن أن توجهوا المجتمع إلى أهمية رعاية المعوق والأخذ بيده ليكون مشاركاً في صناعة حاضر ومستقبل الوطن؟
لقد أذنت لصرختي أن لا تجامل أحداً في حقوق الإنسان بين ماض تليد وحاضر بائس، واستوقفني ما هو أهم عندي من تلك الحقوق وهو المعنى الإنساني من تصحيح مفهوم واجباتنا نحن إزاء تلك الحقوق وكأن الحلقة المفقودة في مجتمعنا المدني الراهن أننا لم نؤسس بعد لثقافة الواجب وما تنطوي عليه من قيم المسؤوليات المتبادلة المهمومة بعاطفة الدين من أجل الإنسان ومحبته، حيث لا طعم للواجب من غير لمسات هذا الحب الذي جف من قلوبنا فنضب فيها رواء الإيمان وتيبست غرساته الطيبة..
ومفتاح القرآن والإنجيل في احتضان الإعاقة من جميع أحزانها أن لا توصد الدنيا دونها الأبواب. بملاحظة أن هوية الكائن الإنساني بروحه وليس بجسده. وأن هذه الروح مقدسة تقديسنا لصورة الله في أسمى خلجات الروح فيه. ولا تأويل لما ورد في الكتاب المقدس عن خلق الله الإنسان على صورته (تك 27/1) إلا على صورة جلال الروح المؤتلفة المزدانة بجمال الله وأسمائه الحسنى في روحه ومعناه.
فلا بدّ من التعامل معه بأطياف هذا التصور أي بجوهره الإلهي الكامن فيما وراء الجسد. فإذا كان في مستطاعنا أن نبين هذا الفردوس من ملامح من نسميهم بذوي الاحتياجات الخاصة فذلك هو مفتاح النعمة القرآنية ـ الإنجيلية في نظرتنا إلى الإعاقة.
لا بوصفها مشكلة من مشكلات الدولة والمجتمع وإنما بوصفها حكمة الواجب الرسالي الذي يستحضر كف المسيح وأمثولتها الكاشفة عما هو أبعد من شفاء الأعمى والأكمه والمقعد في هيكل الجسد.
إن أزمة المعوق في صميمها هي أزمة لا مبالاة المجتمع الذي تسوده القطيعة ليس بين الأقوياء والضعفاء وحسب، وإنما بين الضعفاء أنفسهم فيما نشهده من ظاهرة تمييز المعوق الذكر في الرعاية والعناية على المعوق الأنثى، وكأن قدر المرأة الشرقية أن يطالها التمييز والقهر حتى وإن كانت رازحة بمقاعد الشلل المذعور من ذلك السياف المجهول الذي يلفظها على هامش مجتمع لا يرحم أحلام مشاعرها في أن يكون لها اسم بين أسماء الناس.
فها آن أن نرد الاعتبار لتلك القناديل التي أطفأناها بأيدينا دون أن نعي أن ما أطفأ في حقيقة الأمر هي عيوننا التي لم تبصر بعد حقيقة الروح النبيلة في كل معوق يمر فينا كما تمر نسمة العافية.
فما أجمل وردة القديس اليعازر تغطي شوكة اليأس الجارحة، وما أضوأ ثغر القديس ديديموس يبدد عن عيون الأسكندرية غشاوات الخوف من عتمة الطريق وملء صوته «لا تحزن يا أخي لأنه ليس لك عينان بل افرح وافرح لأن الله أعطاك بصيرة روحية».. وإذن لا فضيلة للقرن التاسع عشر وحروبه كي يزعم الزاعمون أنه بداية التاريخ الحضاري لحقوق المعوقين ذلك أن تكريم الذات الإنسانية والمناداة بتحقيق الذات الإنسانية يقترن بأوائل ما تنزل من توراة وإنجيل وقرآن، حيث اتصل مفهوم هذا التكريم بالتأسيس لنظرية الفرادة الإنسانية التي لا يجوز المساس بعضوية اتصالها في نسيج المجتمع لمجرد أن ينقص في بنيانها نقص أو يتهدم في نقصها بنيان.
ومن هنا لم يكن العجز بمنظار الأديان التوحيدية كما أسلفت مبرراً لفصل القاصرين عن الاندماج والتشارك في حدائق المجتمع وأنشطته.

هل اطلعتم سماحتكم على مضمون تقارير اللجنة الدولية لحماية حقوق المعوقين الصادرة عام 2001 وما هو رأيكم بها؟
لقد قرأت كامل تقارير اللجنة المخصصة لوضع اتفاقية شاملة ومتكاملة لحماية وتعزيز حقوق المعوقين وكرامتهم منذ ديسمبر 2001 فلم أجد مصدراً لحماية هذه الحقوق وهذه الكرامة أعظم من مفهوم الإخاء الإنساني في أخلاق مثله العليا التي تساوي بين الناس بإلغاء لعبة المسافات وتحطيم الجدران المصطنعة بين البشر، فلا فوارق ولا تمايز إلا بفضيلة أخلاق الضمير والاستقامة.
ومن هنا يبدو لي أن الأزمة التي يتأزم بها المعوق إذا أردنا تعريفها وتفسيرها من منظور إنجيلي وقرآني هي أزمة تعطيل المعوق عن شهوديته، أي أزمة تعطيل مصادر المعرفة وحواسها فليس من الإعاقة المذمومة أن يصاب أحدنا بيده وبصره وسمعه أو بأية إصابة من خارج إرادته، ولكن الإعاقة كل الإعاقة أن يلغي إنسانيته بإقفال منابع الروح من وجوده. وعلى هذه الكناية يحمل القرآن على ناس من الناس يلجأون إلى تعطيل مصادر المعرفة من إدراكهم بصريح الآية من سورة الأعراف 179:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.
وقد لفت انتباهي ذات تلاوة لسور مريم والنساء وآل عمران والفرقان ابتهال النبيين والأولياء أن يهب لهم الله من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين إلفاتاً إلى سلامة النسل ومناعته من كل إعاقة في الدين والفكر والسلوك والبدن حتى إذا أصيب ولد من أولاد الأنبياء بإعاقة في دينه تبرأ منه أبوه ولم يتبرأ من الولد المصاب بإعاقة في جسده. فيما نزل به الوحي على قلب نوح عشية الطوفان:
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ  (هود 45-46).
وعند هذه النقطة نعود إلى إعاقة أصيب بها نبي من أنبياء أولي العزم في لسانه هو موسى (ع) فكان لا يستطيع الكلام إلا بصعوبة.
وقد خُيل لأم مريم أن الأنوثة إعاقة لا تسمح لها أن تعتلي عرش المعبد لوفاء نذرها لله سبحانه وتعالى، غير أن الله عزّ وجلّ أراد لمريم أن تكون شاهدة لأعظم أمومة غيّرت وجه العالم ووجه التاريخ:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ  (آل عمران 35 – 37).
وفي مجتمع جاهلي كان يتفاضل بعضلات القوة والجاه والمال والسلطة يتنزل القرآن الكريم بتحريم الهمز واللمز والسخرية ممن لا يملكون شيئاً من تلك العضلات لتأديب المجتمع على وجوب احترام المعنى الإنساني في الإنسان بمعزل عن أي اعتبار آخر:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  (الحجرات).
ولعلي أوجز أدب القرآن والإنجيل معاً بجملة واحدة هي نهي القرآن والإنجيل عن اعتبار الإعاقات البدنية عيوباً تبرر امتهان كرامة المعوق، فضلاً عن تسفيه حقوقه وفي مضمون الحديث النبوي الشريف أن الإخلال بحقوق المعوق في المساواة بغيره يعتبر خيانة ومن الخيانة ترك السلام على الضرير..
وحسب المعوق أنه في عين الله ورحمته.. وصوت من ربابة السماء ينادي كل معوق بمثل نداء الله وبشائره لأيوب «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب»..

حاورته: هند عبيدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *