وتبقى روحها حاضرة...

وتبقى روحها حاضرة…

وتبقى روحها حاضرة…

تطوف بها غمامة حول القمر فتصعد إليها… تضمها الغمامة ويحتفي بها القمر… مددت يدي إليها… إلى الروح فعادت موجة ليلكية زرقاء… تنشر البهاء والنور لتقول لي سلاماً… تساءلت كيف طيفها توحّد مع النجوم عندما انقشعت سحب مظلمة، اتّحد العالم في أشعة مضيئة… هي روحها! إنها فراشات مطوّقة في الربيع… تحوم بين الأزهار فتمتص رحيقها. وروحها… تطير بين الحقول كطير خرج من الأسر… مددت يدي إليها كطفلة ريفية بريئة… لكن يدي عادت لي خائبة ولم أكد أضمها…حتى غابت…
شعرت بكثافة حضورها… كانت روحها تسبح في الأماكن التي تحبها شبحاً حاضراً في كل مكان وزمان… تتدانى… تتباعد هي الأيام هكذا… تزاحمها عيون وقلوب وحناجر فارقتها، والمدى يضيق وينأى وخيول الزمان تتراكض من حولنا، وكأن الذين رحلوا يستمرّون بصورة أو بأخرى… يسكنون الأماكن التي سكنوا فيها أو أحبوها… وتتراقص أرواحهم حول الأحباء منهم…
رحلت… دون أن تحزم حقائبها المتناثرة وثيابها العالقة على مشجب الزمن… رحلت… بل عادت من حيث أتت… أثقلها انتظار فلذات كبدها ومرارة الفراق وأشجان الحب الصافي… أطفئت سيجارتها الأخيرة المحشوة بأمنيات سئمت الإجهاض… فأحرقتها. رحلت بعد أن رأت أنه لا جدوى من بكاء ضلّ الطريق… قد رحلت بعدما ملأت شرايينها من الإحتباس الحراري والإحتباس العاطفي واحتباس الدماء في رأسها الجميل… لربما ملّت مشاهدة العالم بتلك الوحشية وذلك الظلم… الذي حرمها النوم الهادئ على وسادتها أيام وليال… هاهي تغلق الدولاب الأخير…وتختفي..
بعدما أودعت ذكريات كثيرة مصفوفة على رفوف مكتبة يتيمة… حاولت لمس الأشياء من حولها لكنها اختفت مثل ملامحها… لربما اكتشفت أن الحياة حفل صاخب بلا روح ولا طعم… رحلت بعيداً وتركتنا لا نعرف أن نميّز بين الأحياء والأموات… ففي أبجديتنا الأموات حاضرين دوماً بلمسات مكهربة توقظنا من أحلامنا… لنعيش ليالي العزلة… حيث الأشباح أكثر دفئاً من البشر…

 

إلى كل الأمهات اللواتي فقدن أحد أبناءهن
وكل من فقد والدته
إلى أمي.. وإلى الأديبة كوليت خوري

فاديا ناصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *