الفنان

الفنان التشكيلي حمود شنتوت

الفنان التشكيلي حمود شنتوت: اللون هو اللغة التشكيلية الوحيدة للفنان

 

من يشاهد لوحات الفنان “حمود شنتوت” يسافر إلى عالم غريب مليء بالأساطير، أو أنه يقرأ حكاية من العصور الوسطى لريشة رائعة تنطوي على معانٍ ومناحٍ عديدة مع التباسات كثيرة من التمرد على الواقع، فالفن من دون تمرد لا يساوي شيئاً. في مرسمه الأنيق كان لنا معه هذا اللقاء..

الفنان “حمود” بعد سنوات من الإبداع هل ترى أن لوحاتك أخذت طابعاً آخر أو كانت منحى آخر مختلف، أم أنك تحب أن تحافظ على هويتك الإبداعية؟

بالنسبة لعملي أنا أعتقد أني اخترعت طريقة تجعلني أسلي نفسي دائماً بتكنيك جديد، فعندي عدة تقنيات تقريباً أعمل عليها، عندما أعمل مثلاً بالألوان الطبيعية على القماش أدخل عليها أجواء من تدرجات اللون البني والألوان الحارّة والكثيفة والإضاءة القوية، وعندما أشعر بالملل من هذه الطريقة أنتقل إلى الجدار الأبيض وأستخدم ألوان وعناصر قليلة وتكنيك مختلف تماماً، كأن يكون العمل على خشب بدلاً من القماش، وهذا يحتاج لتحضيرات أخرى، وعندما أريد الانتقال من الأسلوبين السابقين أترك تضاريس الخشب موجودة ثم أرسم عليها، وفي مواضيع أخرى مثل “العشاء الملائكي” أجد أنها تحتاج إلى عالم افتراضي وألوان كثيفة ورمل، أنا أغيّر دائماً بالتكنيك حسب الموضوع وحالتي النفسية.

ترسم الطبيعة والنساء وحكايا الأساطير بخصوصية وإتقان، وبألوان صاخبة وسط عالم غريب مليء بالسحر والأمراء، وكأنك تنأى عن الواقع فتتخيل أشياء كانت منذ قرون! لماذا ابتعدت عن الواقع وفضّلت التحليق بعالم أسطوري؟

الفنان في البداية يأخذ كثيراً من الطبيعة، لقد كنت أرسم غرفتي وأرسم الطبيعة الصامتة، والبورتريه، لكني أعتقد أن الفنان يفعل ذلك ليخلق عالمه الخاص، وأنا لا أستطيع أن أرسم دائماً نفس الموضوع لأني أشعر بالملل. في الفترات الماضية قرأت عن الصوفيين وأيضاً لمحمود درويش، هذا الشيء خلق لي ربما عالم خيالي له علاقة بالجنة والماورائيات، لذلك حاولت أن أرسم ما أتخيله وأخلق عالم له علاقة بعقلي الباطني وتفكيري الآني البعيد عن الواقع والذي يعكس حالتي النفسية.

حضور الملائكة والمرأة وقصص من الكتب المقدسة، هل ممكن أن نقول أنك تأثرت بقصص الأنبياء أم بالقرون الماضية بكل سحرها وجمالها أم بماذا؟

نعم تأثرت بها لأني أحب أن أجسد الحنين للماضي في لوحاتي، حتى أن أكثر أعمالي أسميها “الزمن الجميل”، لذلك لا يستطيع الفنان أن يفسر لماذا يرسم هذا الموضوع ولماذا يتركه وينتقل لموضوع آخر. اللوحات مذكرات عن الحياة يسجلها الفنان في أعماله.

تهتم بالألوان وتغلب الألوان الترابية والنارية على لوحاتك فأنت سخي بتلوين الطبيعة! ما تأثير الألوان لديك وكيف تجدها مناسبة لذلك؟

أنا أعمل عمل تجريدي في البداية حيث آخذ حرية كبيرة في وضع الألوان على اللوحة، وأشعر أن “جنين العمل” يشكل 90% من اللوحة بمعنى أن الفنان إذا لم يضع منذ البداية شيء له قيمة ستصل اللوحة إلى طريق مسدود لأن اللون هو اللغة التشكيلية الوحيدة للفنان، أنا أعتبر اللون أهم ما في اللوحة لكي تصل أحاسيسنا للمشاهد وبعد أن أضع الألوان التي تعبّر عن شحناتي الداخلية أرسم الموضوع.

الأساطير، الخريف، الربيع وعصور قديمة يفوح منها عبق الماضي في لغة واحدة وهي التخيل والأحلام، هل ترى أن الفنان وجب أن يبقى كما هو أم أن التغيير أجمل؟

سعادتي بالفن تتحقق عندما أشعر في كل لوحة وكأني أرسم لأول مرة، متعة اكتشاف اللون لأول مرة شيء جميل، أنا أرسم منذ عشرات السنين، وإلى الآن أضع الألوان بدون تخطيط أو تفكير مسبق أو قواعد وهذا ما يعطي اللوحة روحها. الفنان يعيش  بتغيير مستمر وأنا أبحث دائماً عن خامات وألوان جديدة، صحيح أن أسلوبي واحد لكن التكنيك مختلف. أحياناً أبدأ باللوحة ثم أصل معها لطريق مسدود فأتركها لسنوات وأرسم غيرها والسبب أني لا أخطط للوحة وأتركها تعبّر عن أحاسيسي بشكل عفوي.

الرسم هو الملاذ الوحيد للفنان، هل تستطيع الرسم في أي وقت كان؟

هذا الموضوع تجاوزناه الآن، في البدايات كنا نقف أمام اللوحة لساعات ننتظر الإلهام والوحي ولا ننجح بذلك وكان يصيبنا الإحباط من جراء ذلك، وفي أحيانٍ أخرى كنا نرسم لوحة في نصف ساعة، كنا نقتنع بمسألة الوحي كثيراً أما الآن فلقد أصبح عندنا خبرة حيث تتدفق الأفكار والمشاعر والأحاسيس إلى اللوحة بعد دقائق معدودة من الوقوف أمامها. الفنان الحقيقي ينقل كل الحياة إلى لوحاته بتفاصيلها الدقيقة لكن بخصوصية تميزه عن غيره، أي فنان يستطيع أن ينقل الواقع لكن الفن الحقيقي يبدأ بعد رسم الواقع، أي “ماذا سيضيف الفنان على هذا الواقع”.

 

ما تأثير المرأة في نفسك لتجسدها في لوحاتك؟

أنا مع مقولة أن المرأة نصف ملاك، لكني أراها من وجهة نظري ملاك كامل موجود في الحياة ولولاها الحياة بلا معنى ولا تطاق. المرأة آلهة تمشي على الأرض، الله كرمنا بوجودها ولذلك أحب أن أرسمها كثيراً وأبذل جهداً كبيراً لأرسمها كما أراها في داخلي، وأعتبر أن حضورها في الحياة نعمة.

 

كيف ترى الفن في وقتنا الحاضر؟

الفن السوري معافى وهو بخير، ويوجد الكثير من الفنانين الشباب الذين يقدمون أعمالاً رائعة رغم أن بعضهم لم يجد لنفسه خصوصية ويأخذ من الفن الأوربي كثيراً لكن كل هذا مفيد.

 

هل تشعر أنك حققت ما كنت تحلم به أم أن لديك أحلاماً كثيرة؟

أشعر أني مهما تعلمت ونجحت فهناك الكثير الذي ما زال ينقصني، وهذا أمر طبيعي لأن الفنان عندما يشعر أنه حقق كل طموحاته الفنية فهذه هي بداية انهياره، أنا عندي تواضع كبير تجاه الفن وأشعر أنه يوجد عندي طموحات كثيرة لم أحققها. الفن أعطاني أجمل اللحظات في الحياة، لقد امتهنت عملاً أحبه كثيراً، الفن بالنسبة لي مذكرات أفرغ فيها كل مشاعري، فعندما أكون حزيناً أو منزعجاً يغلب على لوحاتي اللون الأسود والعكس صحيح. الفن توازن فبعد أن أنتهي من رسم اللوحة أشعر براحة كبيرة، الحياة قاسية والأشياء الجميلة فيها قليلة، الجميل بالحياة هي العائلة والمهنة التي يحبها الإنسان والأهل، لكن بالمقابل هناك أشياء قاسية جداً كالوحدة أو فقدان إنسان نحبه، وكل إنسان يفرغ الشحنات الموجودة بداخله بطريقة معينة.

ما رأيك بمجلتنا؟

قرأت مجلتكم وقد أعجبتني، فهي مهتمة بالمواضيع الجدية والإنسانية وهذا توجه جميل أتمنى لكم التوفيق.

ريما الزغيّر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *