طريق يمر من فوهة بندقية...

طريق يمر من فوهة بندقية…

طريق يمر من فوهة بندقية…

في مثل هذه الأيام.. كان لنا وقفة مع الجنوب اللبناني.. أذبنا أحزان اليأس على جسر الوقت المحبوس بسياج المرارة عندما شاهدنا لحظات عبور الشهداء والأسرى من فلسطين المحتلة.. هؤلاء الأبطال عبروا تحت سماء لم نألفها، سمعنا موسيقا النعال.. كنا نلملم أجزاءنا المتناثرة هنا وهناك، وقلبنا مفعم بطبقات من الندوب نجمع شتات أحاسيسنا، ونقفز من علياء قلمنا المثخن بآلاف القروح.. جروح تشكلت من أجساد الضحايا.. والأبنية المهدمة والقنابل العنقودية والفوسفورية، أمام صمود وطن انبثق من دماء الشهداء وأحزان ساكنة في الشرايين، وأمهات يرسمن بالكحل تاريخ الحكايات.. أحداث مرّت تستنجد بمرفأ الذاكرة.. تلك الذاكرة تبحث عن نهاية تتوق حروفها لأبطال الحكاية.. تكشف عن تلك العيون المعبئة من الشوق المخزون لتراب الجنوب.. قلوب محتقنة شوقاً وقهراً… بدا الجنوب وقتها حضناً دافئاً وسط العواصف المحيطة.. منتصب القامة.. مرفوع الانتماء.. هكذا عبر الأسير وهكذا عبر الشهيد.. وكل الذين عبروا كانوا بلا أجنحة.. عادوا من ضفاف المدن المتناثرة.. وزرد السلاسل .. عادوا إلى الجذر تفتّق عنه التراب.. ليثمر أديم الأرض.. نقرأ في سطور جبهتهم عناقيد الغضب.. وأنشودة التعب.. كنا نرقب المحررين القادمين من خلف أسوار تتساقط منها الحصون وجدار من بعض الجنون.. ومن حقد السنين.. لتشرق على الجنوب شعاعاتٍ ذهبيةٍ في صباحات الصيف الندية.. يسترقون الأمل من ثقوب الغيم الأسود ليصنعوا أفقاً أزرقاً شاسعاً.. وسلاماً هائماً في متاهات السراب.. يخترقون الحدود إلى حيث مروج الحلم.. إنهم أسياد البر والبحر تحرروا.. يتحدون جبروت الليل ولا يخشون وهج الحريق حتى ولو اقترب اللهيب كشيطان رجيم ليصادر النهار.. إنهم واثقون من وقع أقدامهم ثابتون.. لا يعبئون لأنهم أبطال هذا العصر والزمان..

 

فاديا ناصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *